فصل: الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين وَالْمِائَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث العشْرُونَ بعد الْمِائَة:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو فِي صلَاته فَيَقُول: «اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك، وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من رِوَايَة الصّديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلمنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي. فَقَالَ: قل: «اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي...» الحَدِيث. قَوْله «كثيرا» رُوِيَ بِالْمُثَلثَةِ وبالموحدة، وَالْأول رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَالثَّانِي رِوَايَة بَعضهم قَالَ النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَيَنْبَغِي أَن يجمع بَينهمَا أَي للِاحْتِيَاط عَلَى التَّعَبُّد بِلَفْظِهِ والمحافظة عَلَيْهِ.

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين وَالْمِائَة:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «وتحليلها التَّسْلِيم».
هَذَا الحَدِيث تقدم فِي الْبَاب وَهُوَ الحَدِيث الثَّالِث مِنْهُ.

.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين وَالْمِائَة:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: السَّلَام».
هَذَا صَحِيح، وَهُوَ مستفيض فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَمَا سيمر بك عَلَى الإثر.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين وَالْمِائَة:

عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم عَن يَمِينه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، وَعَن يسَاره: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة: د ت س ق، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه أَيْضا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَاللَّفْظ الْمَذْكُور هُوَ إِحْدَى رِوَايَات النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَفِي رِوَايَة للنسائي: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن، وَعَن يسَاره: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه كَانَ يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه حَتَّى يَبْدُو بَيَاض خَدّه، وَعَن يسَاره حَتَّى يَبْدُو بَيَاض خَدّه». وَفِي رِوَايَة لَهُ وللدارقطني: «وَرَأَيْت أَبَا بكر وَعمر يفْعَلَانِ ذَلِك». وَلَفظ أبي دَاوُد: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله».
وَلَفظ التِّرْمِذِيّ مثله، إِلَّا أَنه لم يقل: «حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه». وَلَفظ ابْن مَاجَه: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله». وَلَفظ ابْن حبَان: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه، حَتَّى يَبْدُو بَيَاض خَدّه، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، وَعَن يسَاره مثل ذَلِك».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ يسلم عَن يَمِينه، وَعَن شِمَاله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه».
وأصل حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي أَفْرَاد صَحِيح مُسلم: وَهَذَا لَفظه عَن أبي معمر «أَن أَمِيرا كَانَ بِمَكَّة يسلم تسليمتين، فَقَالَ عبد الله- يَعْنِي ابْن مَسْعُود-: أَنى عَلِقَهَا؟ إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَفْعَله». وأمير مَكَّة هَذَا هُوَ نَافِع بن عبد الْحَارِث.
قَالَ الْعقيلِيّ: والأسانيد صِحَاح ثَابِتَة فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي تسليمتين، وَلَا يَصح فِي تَسْلِيمَة شَيْء.

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين وَالْمِائَة:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى النَّيْسَابُورِي، نَا عَمْرو بن أبي سَلمَة، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم فِي الصَّلَاة تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه، يمِيل إِلَى الشق الْأَيْمن شَيْئا». وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه، عَن هِشَام بن عمار، ثَنَا عبد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ، ثَنَا زُهَيْر... فَذكره إِلَى قَوْله: «تِلْقَاء وَجهه». وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من طرق، عَن عَمْرو بن أبي سَلمَة بِلَفْظ التِّرْمِذِيّ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث لَا نعرفه مَرْفُوعا إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل- يَعْنِي البُخَارِيّ-: زُهَيْر بن مُحَمَّد، أهل الشَّام يروون عَنهُ مَنَاكِير، وَرِوَايَة أهل الْعرَاق عَنهُ أشبه. قَالَ: وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: كَأَن زُهَيْر بن مُحَمَّد الَّذِي وَقع عِنْدهم لَيْسَ هُوَ الَّذِي يرْوَى عَنهُ بالعراق، كَأَنَّهُ رجل آخر قلبوا اسْمه.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد قَالَ بِهِ بعض أهل الْعلم فِي التَّسْلِيم فِي الصَّلَاة. قَالَ: وَأَصَح الرِّوَايَات عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ تسليمتين وَعَلِيهِ أَكثر أهل الْعلم. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ زُهَيْر بن مُحَمَّد. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر مَوْقُوفا عَلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هَذَا حَدِيث مُنكر، هُوَ مَوْقُوف عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: رفع هَذَا الحَدِيث عبد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ وَعَمْرو- يَعْنِي: ابْن أبي سَلمَة- وَخَالَفَهُمَا الْوَلِيد بن مُسلم فَوَقفهُ عَلَى عَائِشَة، عَن زُهَيْر. قَالَ الْوَلِيد لزهير: هَل بلغك فِي هَذَا شَيْء عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: نعم، أَخْبرنِي يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم تَسْلِيمَة». وَصوب الدَّارَقُطْنِيّ رِوَايَة الْوَقْف. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهَا: إِنَّه الصَّحِيح، وَوهم رِوَايَة الرّفْع. وَقَالَ الْبَزَّار بعد أَن ذكره مَرْفُوعا: هَذَا رَوَاهُ غير وَاحِد مَوْقُوفا، وَلَا نعلم أسْندهُ إِلَّا عَمْرو عَن زُهَيْر. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لم يرفعهُ غير زُهَيْر، عَن هِشَام بن عُرْوَة؛ وَهُوَ ضَعِيف عِنْد الْجَمِيع كثير الْخَطَأ لَا يحْتَج بِهِ. وَنقل عبد الْحق فِي أَحْكَامه عَن ابْن عبد الْبر أَنه قَالَ: لَا يَصح مَرْفُوعا، وَأقرهُ عَلَى ذَلِك. ورأيته كَذَلِك فِي تمهيده؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأما حَدِيث عَائِشَة «أَنه كَانَ لَا يسلم إِلَّا تَسْلِيمَة وَاحِدَة» فَلم يرفعهُ إِلَّا زُهَيْر بن مُحَمَّد وَحده عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، رَوَاهُ عَنهُ عَمْرو بن أبي سَلمَة، وَزُهَيْر بن مُحَمَّد ضَعِيف عِنْد الْجَمِيع كثير الْخَطَأ لَا يحْتَج بِهِ. وَذكر ليحيى بن سعيد هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: عَمْرو بن أبي سَلمَة وَزُهَيْر ضعيفان لَا حجَّة فيهمَا.
قلت: وَضَعفه أَيْضا من الْمُتَأَخِّرين جماعات. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: هَذَا حَدِيث ضَعِيف. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فِي الْمُهَذّب: هُوَ غير ثَابت عِنْد أهل النَّقْل. وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة. قَالَ الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب هُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخ؛ فَإِن زُهَيْر بن مُحَمَّد ضَعِيف. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي خلاصته: هَذَا الحَدِيث ضعفه الْجُمْهُور.
قَالَ: وَلَيْسَ فِي الِاقْتِصَار عَلَى تَسْلِيمَة وَاحِدَة شَيْء ثَابت. وَقد أسلفت ذَلِك عَن الْعقيلِيّ أَيْضا. وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: أطبق أَصْحَابنَا فِي كتب الْمَذْهَب عَلَى تَضْعِيفه.
قلت: وَحَاصِل قَول من ضعفه الطعْن فِي زُهَيْر بن مُحَمَّد، وانفراده بِهِ، وَلَك أَن تَقول: زُهَيْر من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَالسّنَن الْأَرْبَعَة. وَقَالَ أَحْمد فِيهِ: إِنَّه مُسْتَقِيم الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: لَا بَأْس بِهِ. وَفِي رِوَايَة عَنهُ: إِنَّه ثِقَة. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: لَا بَأْس بِهِ. وَاخْتلف قَول يَحْيَى بن معِين فِيهِ فَمرَّة قَالَ: لَا بَأْس بِهِ. وَمرَّة قَالَ: ثِقَة. وَمرَّة قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَعند عَمْرو بن أبي سَلمَة عَنهُ مَنَاكِير. وَمرَّة قَالَ: ضَعِيف. وَقَالَ الْعجلِيّ: جَائِز الحَدِيث. وَقَالَ الْحَاكِم فِي تَارِيخ نيسابور بعد أَن نقل الرِّوَايَة الأولَى عَن أَحْمد: قَالَ صَالح بن مُحَمَّد: ثِقَة صَدُوق. وَقَالَ مُوسَى بن هَارُون: أَرْجُو أَنه صَدُوق. وَقَالَ الدَّارمِيّ: ثِقَة لَهُ أغاليط كَثِيرَة. انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَحَله الصدْق، وَفِي حفظه سوء، وَحَدِيثه بِالشَّام أنكر من حَدِيثه بالعراق لسوء حفظه، وَمَا حدث من حفظه فَهُوَ أغاليط. قَالَ ابْن عدي: لَعَلَّ أهل الشَّام حَيْثُ رووا عَنهُ أخطئوا عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ إِذا حدث عَنهُ أهل الْعرَاق، فرواياتهم عَنهُ شَبيهَة بالمستقيمة، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَقَالَ: إِنَّه يُخطئ وَيُخَالف.
وَإِذا عرفت هَذَا كُله قضيت الْعجب من قَول الْحَافِظ أبي عمر بن عبد الْبر: إِنَّه ضَعِيف عِنْد الْجَمِيع، فَهَذِهِ أَقْوَال من وَثَّقَهُ وَضَعفه، وَالْأَكْثَر عَلَى توثيقه. قَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: فِي كَلَام أبي عمر حمل عَلَى زُهَيْر وَعَمْرو بن أبي سَلمَة، وَذَلِكَ فَوق مَا يستحقان، وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْد أهل الْعلم بهما.
قلت: وَأما دَعْوَى تفرده بِهِ فَلَيْسَ كَذَلِك، فقد تَابعه عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول. رَوَاهُ بَقِي بن مخلد فِي مُصَنفه من طَرِيقه، نَا هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ، وَعَاصِم من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَالسّنَن الْأَرْبَعَة. قَالَ الإِمَام أَحْمد فِيهِ: ثِقَة من الْحفاظ.
وَتَابعه أَيْضا زُرَارَة بن أَوْفَى، رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس السراج فِي مُسْنده من طَرِيقه، فَقَالَ: نَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، نَا معَاذ بن هِشَام صَاحب الدستوَائي، حَدثنِي أبي، عَن قَتَادَة، عَن زُرَارَة بن أَوْفَى، عَن سعد بن هِشَام، عَن عَائِشَة قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أوتر أوتر بتسع رَكْعَات، لم يقْعد إِلَّا فِي الثَّامِنَة، فيحمد الله ويذكره ثمَّ يَدْعُو، ثمَّ ينْهض وَلَا يسلم، ثمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَة فيجلس فيذكر الله وَيَدْعُو، ثمَّ يسلم تَسْلِيمَة ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس. فَلَمَّا كبر وَضعف، أوتر بِسبع رَكْعَات لَا يقْعد إِلَّا فِي السَّادِسَة، ثمَّ ينْهض وَلَا يسلم، فَيصَلي السَّابِعَة ثمَّ يسلم تَسْلِيمَة، ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالس».
وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَمن حق الْحَاكِم استدراكه فِي مُسْتَدْركه عَلَيْهِ، وَقد أخرجه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، عَن عبد الله الأودي، نَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم... فَذكره.
فَظهر بِهَذَا رد قَول الْبَيْهَقِيّ: تفرد بِهِ زُهَيْر بن مُحَمَّد، وَقَول ابْن عبد الْبر: لم يرفعهُ غير زُهَيْر، عَن هِشَام. وَأما قَول الْحَافِظ أبي بكر الْبَزَّار: لَا نعلم أسْندهُ إِلَّا عَمْرو عَن زُهَيْر. فَلَيْسَ بجيد أَيْضا، فقد أسْندهُ عبد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ عَنهُ، كَمَا سلف عَن رِوَايَة ابْن مَاجَه وَغَيره وعلل الدَّارَقُطْنِيّ. وَأما قَول الدَّارَقُطْنِيّ: إِن عَمْرو بن أبي سَلمَة وَعبد الْملك الصَّنْعَانِيّ رَفَعَاهُ، وَخَالَفَهُمَا الْوَلِيد بن مُسلم فَوَقفهُ عَلَى عَائِشَة فَجَوَابه من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَنه قد توارد عَلَى رَفعه ثَلَاثَة: هَذَانِ الإمامان، وَعَاصِم بن سُلَيْمَان، وتابعهم زُرَارَة بن أَوْفَى، فَيكون الْأَكْثَر عَلَى رَفعه، وَانْفَرَدَ بوقفه الْوَلِيد بن مُسلم.
ثَانِيهمَا: أَنه يحمل عَلَى أَن عَائِشَة روته مَرْفُوعا، وأفتت بِهِ فَنقل الْمَجْمُوع عَنْهَا، لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه، عَن الْحسن بن سُفْيَان، نَا ابْن أبي السّري، نَا عَمْرو بن أبي سَلمَة، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة عَن يَمِينه، يمِيل بهَا وَجهه إِلَى الْقبْلَة». واستدركه الْحَاكِم عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، فَرَوَاهُ عَن أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب، نَا أَحْمد بن عِيسَى، نَا عَمْرو بن أبي سَلمَة، نَا زُهَيْر بن مُحَمَّد الْمَكِّيّ، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم فِي الصَّلَاة تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه، يمِيل إِلَى الشق الْأَيْمن قَلِيلا». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَقد رَوَاهُ وهب بن خَالِد، عَن عبيد الله بن عمر، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة: «أَنَّهَا كَانَت تسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجههَا». قَالَ: وَقد اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى الِاحْتِجَاج بِعَمْرو بن أبي سَلمَة وَزُهَيْر بن مُحَمَّد.

.الحَدِيث الْخَامِس بعد الْعشْرين وَالْمِائَة:

«أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم عَن يَمِينه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن، وَعَن يسَاره: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح لَهُ طرق كَثِيرَة يحضرنا مِنْهَا أحد عشر طَرِيقا:
أَولهَا: عَن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم...» الحَدِيث. بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء. رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه كَمَا سلف قَرِيبا، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بلفظين: أَحدهمَا: مثل هَذَا، إِلَّا أَنه قَالَ فِي كلٍّ: «بَيَاض خَدّه» وَلم يقل «الْأَيْمن» وَلَا «الْأَيْسَر». ثَانِيهمَا: «يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خديه- أَو خَدّه- وَرَأَيْت أَبَا بكر وَعمر يفْعَلَانِ ذَلِك». وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان فِي صَحِيحه، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَنهُ قَالَ: «مَا نسيت من الْأَشْيَاء فَلم أنس تَسْلِيم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة عَن يَمِينه وشماله: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله. ثمَّ قَالَ: كَأَنِّي أنظر إِلَى بَيَاض خديه».
ثَانِيهَا: عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كنت أرَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلم عَن يَمِينه، وَعَن يسَاره، حَتَّى كنت أرَى بَيَاض خَدّه».
رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ «أَنه كَانَ يسلم عَن يَمِينه حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه، وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه» ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَرَوَاهُ الْبَزَّار كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: قد رُوِيَ عَن سعد من غير وَجه.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلم عَن يَمِينه، وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه». ثمَّ قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيّ: لم يسمع هَذَا الْخَبَر من حَدِيث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد- يَعْنِي أحد رُوَاته-: كل حَدِيث النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعته؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فالثلثين؟ قَالَ: لَا قَالَ: فالنصف؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهُوَ من النّصْف الَّذِي لم تسمع.
ثَالِثهَا: عَن عمار بن يَاسر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله، يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظ: «كَانَ إِذا سلم عَن يَمِينه يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن، وَإِذا سلم عَن يسَاره يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن والأيسر، وَكَانَ يسلم تَسْلِيمَة: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله».
رَابِعهَا: عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم عَن يَمِينه، وَعَن شِمَاله: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه» رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه فَقَالَ: ثَنَا وَكِيع، عَن حُرَيْث عَن الشّعبِيّ، عَن الْبَراء فَذكره وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عبد الله بن دَاوُد، عَن حُريث، عَن الشّعبِيّ، عَن الْبَراء: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يسلم تسليمتين».
وحريث هَذَا هُوَ ابْن أبي مطر، واسْمه عَمْرو الْفَزارِيّ أَبُو عَمْرو الحناط عَمْرو الْكُوفِي، وَقد تَركه النَّسَائِيّ وَغَيره.
خَامِسهَا: عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم فِي صلَاته عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله حَتَّى يرَى بَيَاض خديه». رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَفِيه ابْن لَهِيعَة؛ وَقد علمت فِيمَا مَضَى حَاله.
سادسها: عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله» عزاهُ الضياء الْمَقْدِسِي فِي أَحْكَامه إِلَى ابْن مَاجَه، وَكَذَا الْحَافِظ جمال الدَّين فِي أَطْرَافه إِلَيْهِ، وَأَنه أخرجه فِي الصَّلَاة، وَعَزاهُ أَيْضا إِلَيْهِ شَيخنَا الْحَافِظ فتح الدَّين الْيَعْمرِي، وَلم أره فِيمَا حضرني من نسخه.
سابعها: عَن عدي بن عميرَة قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سجد يرَى بَيَاض إبطه، ثمَّ إِذا سلم أقبل بِوَجْهِهِ عَن يَمِينه حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه، ثمَّ يسلم عَن يسَاره وَيقبل بِوَجْهِهِ حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه عَن يسَاره».
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث الْفضل بن ميسرَة، حَدثنِي أَبُو حريز؛ أَن قيس بن أبي حَازِم حَدثهُ، عَن عدي بِهِ، وَأَبُو حريز هَذَا هُوَ عبد الله بن الْحُسَيْن، وَقد اخْتلف فِي ثقته، وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وَهَذَا الحَدِيث أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وبيض لَهُ شَيخنَا فتح الدَّين الْيَعْمرِي فِي شَرحه وَلم يظفر بِهِ، وَقد تيَسّر بِحَمْد الله وَمِنْه.
ثامنها: عَن طلق بن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره، حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن وَبَيَاض خَدّه الْأَيْسَر». رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده كَذَلِك، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِلَفْظ: «كَانَ إِذا سلم فِي الصَّلَاة، رَأينَا بَيَاض خَدّه الْأَيْمن وَبَيَاض خَدّه الْأَيْسَر».
وَفِي إِسْنَاده: ملازم بن عَمْرو؛ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِيهِ نظر.
تاسعها: عَن وراد كَاتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة: «أَن مُعَاوِيَة كتب إِلَى الْمُغيرَة يسْأَله عَن آخر مَا كَانَ يتَكَلَّم بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكتب إِلَيْهِ أَنه كَانَ يَقُول إِذا سلم: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد، وَهُوَ عَلَى كل شَيْء قدير، اللَّهُمَّ لَا مَانع لما أَعْطَيْت، وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد. بعد أَن يسلم عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، وَكَانَ يسلم عَن يَمِينه حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْمن، وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن الْحسن بن عَلّي المعمري، عَن مَحْمُود بن خَالِد الدِّمَشْقِي، عَن أَبِيه، عَن عِيسَى بن الْمسيب، عَن سلم بن عبد الرَّحْمَن النَّخعِيّ، عَن وراد بِهِ.
عَاشرهَا: عَن الْأَزْرَق بن قيس قَالَ: «صَلَّى بِنَا أَبُو رمثة، فَقَالَ: شهِدت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى، ثمَّ سلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره حَتَّى رَأينَا وضح خديه».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي أكبر معاجمه عَن إِبْرَاهِيم بن متويه، عَن الْيَمَان بن سعيد، عَن الْأَشْعَث، عَن الْمنْهَال، عَن الْأَزْرَق بِهِ.
الطَّرِيق الْحَادِي عشر: عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره، حَتَّى يرَى خداه».
رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن إِبْرَاهِيم- يَعْنِي ابْن أبي يَحْيَى- عَن إِسْحَاق بن عبد الله، عَن عبد الْوَهَّاب بن بخت، عَن وَاثِلَة بِهِ، وَهُوَ مخرج فِي مُسْنده وَإِبْرَاهِيم حَالَته مَعْلُومَة، وَشَيْخه كَأَنَّهُ ابْن أبي فَرْوَة الْمدنِي الْمَتْرُوك، وَشَيْخه، ثِقَة لكنه كثير الْوَهم.
ثمَّ ظَفرت لَهُ بعد بطرِيق آخر وَهُوَ:
الثَّانِي عشر: عَن يَعْقُوب بن الْحصين قَالَ: «كَأَنِّي أنظر إِلَى خدي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة وَهُوَ يسلم عَن يَمِينه، وَعَن شِمَاله وَهُوَ يجْهر بِالتَّسْلِيمِ».
رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة يَعْقُوب هَذَا، من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد، عَن مُجَاهِد عَنهُ بِهِ، وَعبد الْوَهَّاب هَذَا ضَعِيف مَتْرُوك كَمَا سلف فِي الْبَاب فِي الحَدِيث السَّادِس بعد السِّتين.
ثمَّ ظَفرت لَهُ بطرِيق آخر وَهُوَ:
الثَّالِث عشر: عَن حجر بن عَنْبَس قَالَ: سَمِعت وَائِل بن حجر يَقُول: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلم حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه، من ذَا الْجَانِب وَمن ذَا الْجَانِب».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ من طَرِيق عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَنهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يسلم فِي صلَاته عَن يَمِينه، وَعَن يسَاره إِذا انْصَرف، حَتَّى أرَى بَيَاض خَدّه من هَاهُنَا وَهَاهُنَا». وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا بِدُونِ ذكر «بَيَاض خَدّه» كَمَا ستعلمه عَلَى الإثر.
وظَفرت لَهُ أَيْضا بطرِيق آخر وَهُوَ:
الرَّابِع عشر: عَن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم فِي صلَاته عَن يَمِينه وعَن يسَاره، حَتَّى يرَى بَيَاض خديه».
رَوَاهُ أَحْمد عَن يَحْيَى بن إِسْحَاق، نَا ابْن لَهِيعَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن مَالك، عَن سهل بِهِ.
فَائِدَة: وَقع فِي كتاب الْمدْخل إِلَى الْمُخْتَصر لزاهر السَّرخسِيّ، ونِهَايَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ وحلية الرَّوْيَانِيّ زِيَادَة: وَبَرَكَاته فِي السَّلَام، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: هَذَا الَّذِي ذكره هَؤُلَاءِ لَا يوثق بِهِ، وَهُوَ شَاذ فِي نقل الْمَذْهَب، وأما من حَيْثُ الحَدِيث فَلم أَجِدهُ فِي شَيْء من الْأَحَادِيث، إِلَّا فِي حَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة وَائِل بن حجر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم عَن يَمِينه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، وَعَن شِمَاله: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته». قَالَ الشَّيْخ: وهَذِه زِيَادَة نَسَبهَا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه إِلَى مُوسَى بن قيس الْحَضْرَمِيّ وَعنهُ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد.
قلت: ومُوسَى هَذَا وَثَّقَهُ يَحْيَى بن معِين وَغَيره، وَيُقَال لَهُ: عُصْفُور الْجنَّة، وَلَعَلَّه لأجل صَلَاحه لَا جرم صحّح النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فِي سنَن أبي دَاوُد إِسْنَاد صَحِيح.
قلت: وَجَاءَت زِيَادَة «وَبَرَكَاته» أَيْضا فِي حَدِيث آخر صَحِيح من غير شكّ وَلَا مرية، قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه: أَنا الْفضل بن الْحباب، نَا مُحَمَّد بن كثير، أَنا سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم عَن يَمِينه، وَعَن يسَاره حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته».
وَقَالَ ابْن مَاجَه فِي سنَنه: نَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، نَا عمر بن عبيد، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسلم عَن يَمِينه، وَعَن شِمَاله حَتَّى يرَى بَيَاض خَدّه: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته».

.الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين وَالْمِائَة:

عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نسلم عَلَى أَنْفُسنَا وَأَن يَنْوِي بَعْضنَا بَعْضًا».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن أبي الْجمَاهِر مُحَمَّد بن عُثْمَان، نَا سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نرد عَلَى الإِمَام، وَأَن نتحاب، وَأَن يسلم بَعْضنَا عَلَى بعض».
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن عَبدة بن عبد الله، نَا أَبُو الْقَاسِم، نَا همام، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نسلم عَلَى أَئِمَّتنَا، وَأَن يسلم بَعْضنَا عَلَى بعض». قَالَ:
ونا هِشَام بن عمار، نَا إِسْمَاعِيل ابْن عَيَّاش، نَا أَبُو بكر الْهُذلِيّ، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة مَرْفُوعا: «إِذا سلم الإِمَام، فَردُّوا عَلَيْهِ».
وسعيد بن بشير السالف هُوَ النصري- بالنُّون- مولَى بني نصر، رَوَى لَهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَفِيه مقَال، قَالَ أَبُو مسْهر: لم يكن ببلدنا أحفظ مِنْهُ وَهُوَ ضَعِيف مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق. وَقَالَ البُخَارِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِي حفظه. وَقَالَ بَقِيَّة: سَأَلت شُعْبَة عَنهُ فَقَالَ: صَدُوق اللِّسَان. وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: نَا سعيد بن بشير وَكَانَ حَافِظًا، وَنقل ابْن الْجَوْزِيّ توثيقه عَن شُعْبَة ودحيم. وَقَالَ عُثْمَان، عَن ابْن معِين: ضَعِيف. وَقَالَ عَبَّاس الدوري عَنهُ: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ الفلاس: نَا عَنهُ ابْن مهْدي ثمَّ تَركه. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِنَّمَا تَركه لفحش خطئه ونكارة بعض حَدِيثه. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن نمير: مُنكر الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء، لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث، يروي عَن قَتَادَة الْمُنْكَرَات. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ رَدِيء الْحِفْظ فَاحش الْخَطَأ، يروي عَن قَتَادَة مَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَعَن عَمْرو بن دِينَار مَا لَا يعرف من حَدِيثه. وَذكره أَبُو زرْعَة فِي الضُّعَفَاء، وَقَالَ: لَا يحْتَج بِهِ.
وَقَالَ ابْن عدي: لَا أرَى بِمَا يروي بَأْسا، وَلَعَلَّه يهم ويغلط، وَالْغَالِب عَلَيْهِ الصدْق. وَقَالَ عبد الْحق: لَا يحْتَج بِهِ. فتلخص أَن الْأَكْثَر عَلَى ضعفه، وَلم يعبأ الْحَاكِم بِمَا قيل فِيهِ، بل أخرج الحَدِيث فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ من طَرِيق أبي دَاوُد وَلَفظه، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
قَالَ: وَسَعِيد بن بشير إِمَام أهل الشَّام فِي عصره، إِلَّا أَن الشَّيْخَيْنِ لم يخرجَاهُ لما وَصفه أَبُو مسْهر من سوء حفظه. قَالَ: وَمثله لَا ينزل بِهَذَا الْمِقْدَار. وَرِوَايَة ابْن مَاجَه الأولَى خَالِيَة من هَذَا، وَقد نبه ابْن الْقطَّان فِي علله عَلَى ذَلِك، فَقَالَ: وَلِهَذَا الحَدِيث إِسْنَاد جيد لَيْسَ فِيهِ من الْبَأْس مَا بِهَذَا. قَالَ الْبَزَّار: نَا عَمْرو بن عَلّي، نَا عبد الْأَعْلَى بن الْقَاسِم، نَا همام، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة قَالَ: «أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نسلم عَلَى أَئِمَّتنَا، وَأَن يسلم بَعْضنَا عَلَى بعض فِي الصَّلَاة». وَهَذَا هُوَ طَرِيق ابْن مَاجَه السالف، وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح بِلَفْظ ابْن مَاجَه: ثمَّ قَالَ: قَالَ عبد الله بن سُلَيْمَان: وَتَفْسِير ذَلِك إِذا سلم الإِمَام أَن يَقُول مَنْ خَلفه قبل أَن يسكت: وَعَلَيْكُم وَرَحْمَة الله.
وَأما أَبُو حَاتِم بن حبَان فَقَالَ فِي كِتَابه وصف الصَّلَاة بِالسنةِ بعد أَن أخرجه: أَنا عَائِذ بِاللَّه أَن نحتج فِي شَيْء من كتبنَا بالمقاطيع والمراسيل، وَالْحسن لم يسمع من سَمُرَة شَيْئا، لَكِن ظَاهر الْكتاب يُوجب رد السَّلَام عَلَى الْمُسلم مُطلقًا، سَوَاء كَانَ فِي صَلَاة أم غَيرهَا.
قلت: وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه الثَّانِيَة قد علمت مقالات الْحفاظ فِيهِ فِي الحَدِيث السَّابِع من بَاب الْغسْل، وَأَبُو بكر الْهُذلِيّ فِيهَا أَيْضا تَرَكُوهُ وَهُوَ سلْمَى بن عبد الله بن سلْمَى.
وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث سُلَيْمَان بن سَمُرَة، عَن سَمُرَة قَالَ: «أما بعد، أمرنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ فِي وسط الصَّلَاة أَو حِين انْقِضَائِهَا، فابدءوا قبل التَّسْلِيم وَقُولُوا: التَّحِيَّات لله الطَّيِّبَات والصلوات وَالْملك لله. ثمَّ سلمُوا عَلَى الْيَمين، ثمَّ سلمُوا عَلَى قارئكم وَعَلَى أَنفسكُم».
وسنتكلم عَلَى إِسْنَاده فِي أثْنَاء زَكَاة التِّجَارَة كَمَا وعدت بِهِ فِي الْبَاب.
فصل: وَأما تَرْجَمَة الْحسن عَن سَمُرَة فللحفاظ فِيهَا ثَلَاثَة مَذَاهِب، فلنذكرها هُنَا ونحيل بعد حَيْثُ وَقعت هَذِه التَّرْجَمَة عَلَيْهَا- إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
أَحدهَا: أَنه سمع مِنْهُ مُطلقًا قَالَ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير: قَالَ لي عَلّي- يَعْنِي ابْن الْمَدِينِيّ- سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح وَأخذ بحَديثه: «من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ». وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: احْتج البُخَارِيّ بالْحسنِ عَن سَمُرَة، وَقَالَ فِيهِ فِي كتاب الصَّلَاة: لَا يتَوَهَّم متوهم أَن الْحسن لم يسمع من سَمُرَة، فقد سمع مِنْهُ، وَصحح أَحَادِيثه مِنْهَا حَدِيثه فِي الْبَسْمَلَة الْمَشْهُور «أَنه ضبط عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سكتتين: سكتة إِذا كبر، وسكتة إِذا فرغ من قِرَاءَته عِنْد رُكُوعه». وَقَالَ فِيهِ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَفِي الاستذكار لِابْنِ عبد الْبر: قَالَ التِّرْمِذِيّ: قلت للْبُخَارِيّ فِي قَوْلهم: لم يسمع الْحسن من سَمُرَة إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة، قَالَ: سمع مِنْهُ أَحَادِيث كَثِيرَة، وَجعل رِوَايَته عَنهُ سَمَاعا وصححها، وَفِيه أَيْضا قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت البُخَارِيّ عَن حَدِيث «من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ». فَقَالَ: كَانَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ يَقُول بِهِ، وَأَنا أذهب إِلَيْهِ، وَسَمَاع الْحسن من سَمُرَة عِنْدِي صَحِيح.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاة الْوُسْطَى من جامعه: قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح.
وَكَذَا قَالَ أَيْضا فِي بَاب بيع الْحَيَوَان نَسِيئَة: سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح، كَذَا قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ وَغَيره. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه وَقَول عَلّي بن الْمَدِينِيّ: إِن أَحَادِيث سَمُرَة صِحَاح يَعْنِي أَنه قد سَمعهَا مِنْهُ مقدم عَلَى قَول يَحْيَى بن سعيد: إِن أَحَادِيثه عَنهُ كتاب، وَعَلَى قَول ابْن حبَان: إِنَّه لم يشافه سَمُرَة. قلت: وَصحح التِّرْمِذِيّ حَدِيثه فِي غير مَا مَوضِع: مِنْهَا حَدِيث «نهَى عَن بيع الْحَيَوَان نَسِيئَة»، وَمِنْهَا حَدِيث «جَار الدَّار أَحَق بِالدَّار»، وَمِنْهَا حَدِيث «الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر»، وَمِنْهَا حَدِيث «لَا تلاعنوا بلعنة الله، وَلَا بغضب الله»، وَمِنْهَا حَدِيث «الْحسب المَال وَالْكَرم التَّقْوَى» وَمِنْهَا حَدِيث «عَلَى الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤدِّي». عَلَى مَا نَقله الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي إلمامه، وَالَّذِي وجدته فِي نسخه أَنه حسن فَقَط. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي بَاب قتل الْحر بِالْعَبدِ: كَانَ شُعْبَة يثبت سَمَاعه مِنْهُ.
الْمَذْهَب الثَّانِي: أَنه لم يسمع مِنْهُ مُطلقًا، قَالَ عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ: قلت ليحيى بن معِين: الْحسن لَقِي سَمُرَة؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: سَمِعت يَحْيَى بن معِين يَقُول: لم يسمع الْحسن من سَمُرَة. وَقَالَ الْغلابِي: نَا يَحْيَى بن معِين، عَن أبي النَّضر، عَن شُعْبَة قَالَ: لم يسمع الْحسن من سَمُرَة، وَقد تكلم بَعضهم مَعَ يَحْيَى بن معِين فِي هَذَا، فَأنْكر يَحْيَى سَمَاعه فاحتج عَلَيْهِ بقول ابْن سِيرِين: سُئِلَ الْحسن مِمَّن سمع حَدِيث الْعَقِيقَة؟ فَقَالَ: من سَمُرَة. فَلم يكن عِنْد يَحْيَى جَوَاب! وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: أَحَادِيث سَمُرَة الَّتِي يَرْوِيهَا الْحسن سمعنَا أَنَّهَا كتاب. وَقَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه ووصف الصَّلَاة بِالسنةِ: الْحسن لم يسمع من سَمُرَة شَيْئا. وَقَالَ البرديجي الْحَافِظ: قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة لَيست بصحاح؛ لِأَنَّهُ من كتاب وَلَا يُحفظ عَن الْحسن، عَن سَمُرَة حَدِيث يَقُول فِيهِ: سَمِعت سَمُرَة إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ حَدِيث الْعَقِيقَة، وَلَا يثبت، رَوَاهُ قُرَيْش بن أنس، عَن أَشْعَث، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة، وَلم يروه غَيره وَهُوَ وهم. كَذَا قَالَ، وَقَوله: عَن أَشْعَث وهم فقد قَالَ أَبُو يعْلى: ثَنَا أَبُو مُوسَى، حَدثنِي قُرَيْش بن أنس، عَن حبيب بن الشَّهِيد، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن الْحسن فَذكره، وَقَالَ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه: نَا عبد الله بن أبي الْأسود، نَا قُرَيْش بن أنس، عَن حبيب بن الشَّهِيد قَالَ: أَمرنِي ابْن سِيرِين أَن أسأَل الْحسن مِمَّن سمع حَدِيث الْعَقِيقَة؟ قَالَ: من سَمُرَة.
قَالَ البرديجي: وَالَّذِي صَحَّ لِلْحسنِ سَمَاعا من الصَّحَابَة أنس وَعبد الله بن مُغفل وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وأحمر بن جُزْء. فعلَى هَذَا الْمَذْهَب يكون حَدِيثه عَن سَمُرَة مُرْسلا، وَرَوَى أَبُو إِسْحَاق الصريفيني، عَن ابْن عون قَالَ: دخلت عَلَى الْحسن فَإِذا بِيَدِهِ صحيفَة فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذِه صحيفَة كتبهَا سَمُرَة لِابْنِهِ. قَالَ: فَقلت: سمعته من سَمُرَة قَالَ: لَا، فَقلت: سمعته من ابْنه؟ فَقَالَ: لَا. وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فاضطرب قَوْله فِيهِ فِي محلاه فَقَالَ فِي الْعَارِية: لم يسمع الْحسن من سَمُرَة، وَقَالَ فِي الشُّفْعَة: لم يسمع مِنْهُ إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة وَحده.
الْمَذْهَب الثَّالِث: أَنه لم يسمع مِنْهُ إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة، وَقد أسلفنا ذَلِك من طَرِيق البُخَارِيّ وَغَيره، وأخرجها أَيْضا أَحْمد فِي علله، وَقَالَ النَّسَائِيّ: الْحسن عَن سَمُرَة كتاب، وَلم يسمع الْحسن مِنْهُ إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة. وَقَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْمصْرِيّ: لَا يَصح الْحسن عَن سَمُرَة إِلَّا حَدِيث وَاحِد، وَهُوَ حَدِيث تفرد بِهِ قُرَيْش بن أنس، عَن حبيب، وَقد دفع قوم آخَرُونَ قَول قُرَيْش وَقَالُوا: مَا يَصح لَهُ سَماع. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر الْحَافِظ فِي أَطْرَافه: حَدِيثه عَنهُ كتاب إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة. وَفِي مُسْند أَحْمد بن حَنْبَل: ثَنَا هشيم، نَا حميد الطَّوِيل قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى الْحسن الْبَصْرِيّ فَقَالَ: إِن عبدا لَهُ أبق وَإنَّهُ نذر إِن قدر عَلَيْهِ أَن يقطع يَده، فَقَالَ الْحسن: نَا سَمُرَة قَالَ: قَلما خطب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة إِلَّا أَمر فِيهَا بِالصَّدَقَةِ، وَنَهَى عَن الْمثلَة». وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يكون سمع مِنْهُ غير حَدِيث الْعَقِيقَة.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: كَانَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ يثبت سَمَاعه مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي عهد عُثْمَان ابْن أَربع عشرَة سنة وَأشهر. وَمَات سَمُرَة فِي عهد زِيَاد، وَقَالَ: وَلم يخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن الْحسن عَن سَمُرَة إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة، فَإِنَّهُ بيَّن فِيهِ سَمَاعه من سَمُرَة.
قلت: لم يُخرجهُ مُسلم أصلا، وخرجه البُخَارِيّ بِدُونِ ذكر لَفظه كَمَا قَدمته، وَقَالَ فِي سنَنه فِي بَاب مَا رُوِيَ من قتل عَبده أَو مثل بِهِ: أَكثر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ رَغِبُوا عَن رِوَايَة الْحسن عَن سَمُرَة، وَقَالَ فِي بَاب النَّهْي عَن بيع الْحَيَوَان بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَة: أَكثر الْحفاظ لَا يثبتون سَماع الْحسن من سَمُرَة فِي غير حَدِيث الْعَقِيقَة. وَقَالَ عبد الْحق أَيْضا فِي أَحْكَامه: إِن هَذَا الْمَذْهَب هُوَ الصَّحِيح، وَعبارَة ابْن الطلاع فِي أَحْكَامه فِي هَذِه التَّرْجَمَة: الْحسن عَن سَمُرَة لَيْسَ بِحجَّة وَمرَاده مَا ذكرنَا من التَّوَقُّف فِي سَمَاعه مِنْهُ لَيْسَ إِلَّا.
وَذكر النَّوَوِيّ فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط فِي الْجِنَايَات فِي كَلَامه عَلَى حَدِيث الْحسن عَن سَمُرَة: من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ: أَن أَصْحَابنَا أجابوا عَنهُ بأجوبة مِنْهَا: أَنه مُرْسل؛ لِأَن الْحسن لم يسمع من سَمُرَة إِلَّا ثَلَاثَة أَحَادِيث لَيْسَ هَذَا مِنْهَا.
قلت: فَهَذَا مَذْهَب رَابِع، وَالله أعلم بِهِ.